سورة القصص - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


فبغى عليهم: تكبر وتجبر. الكنوز: جمع كنز: وهو المال المدفون في باطن الأرض والمراد به هنا المال المدخَر. مفاتحه: جمع مفتح: ومفاتيح جمع مفتاح والمعنى واحد، وهو المفتاح المعروف لفتح الابواب. لَتنوء بالعصبة أولي القوة: يعني ان مفاتيح خزائنه من الكثرة بحيث يثقل حملها على الجماعة الاقوياء. لا تفرح: لا تبطَر، وتتمسك بالدنيا. على علم عندي: على حسن تصرفٍ في التجارة واكتساب المال. ويلكم: كلمة تستعمل للزجر. وي: كلمة يراد بها التندم والتعجب. ويقدر: يضيّق، يقلل.
كان قارون من قوم موسى، ويقول بعض المفسرين انه تكبّر على قومه غروراً بنفسه وماله، حيث أعطاه الله من الأموال قدراً كبيرا، بلغت مفاتيحُ خزائنها من الكثرة بحيث يثقل حملُها على الجماعة الأقوياء من الرجال. وحين اغترّ وكفر بنعمة الله عليه نصحه قومه قائلين: لا تغترّ بمالك ولا يفتنك الفرح به عن شكر الله، ان الله لا يرضى عن المغرورين المفتونين.
وقد أورد القرآن هذه القصة حتى يعتبر قومُ سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، إذ أنهم اغترّوا باموالهم، فبيّن لهم ان أموالهم بجانب مال قارون ليست شيئاً مذكورا.
ثم نصحوه بعدة نصائح فقالوا:
1- {وابتغ فِيمَآ آتَاكَ الله الدار الآخرة} اجعلْ نصيباً منه في سبيل الله والعملِ للدار الآخرة.
2- {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} لا تمنع نفسك نصيبها من التمنع بالحلال في الدنيا. كما في الحديث الشريف: «ان لربك عليك حقاً، ولنفسِك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا».
3- {وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} أحسنْ إلى عباد الله كام احسن الله اليك بنعمته، فأيمنْ خلْقه بمالك وجهك، وطلاقة وجهك، وحسن لقائهم.
4- {وَلاَ تَبْغِ الفساد فِي الأرض إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المفسدين} لا تفسد في الأرض متجاوزا حدود الله، ان الله سبحانه لا يرضى عن ذلك.
قال قارون وقد نسي فضلَ الله عليه: انما أوتيتُ هذا المالَ بعلمٍ خُصصت به.
ألم يعلم هذا المغرور ان الله قد أهلكَ من أهلِ القرون الأولى من هم أشدّ منه قوة واكثر جمعا؟ إنه عليم بالمجرمين، في غير حاجة لأن يسألهم ماذا يعملون.
وتجاهل قارون كل هذه النصائح وخرج على قومه في زنيته، فتمنّى الذين يطلبون الحياة الدنيا مثلَ ما عند قارون، وقال الذين رزقَهم اللهُ العلم النفع: ويلكم، ثوابُ الله خيرٌ من هذا لمن آمن وعمل الاعمال الصالحة.
ثم ذكر الله ما آل اليه بطره من وبال ونكال فقال: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض....}
فخسفنا به الأرض فابتلعته هو وداره بما فيها من أموال وزينة، فلم يكن له أنصار يمنعونه من عذاب الله، وما أغنى عنه مالُه ولا خدَمه، ولا استطاع ان ينصر نفسه.
ولما شاهد قوم قارون ما نزل به من العذاب، صار ذلك زاجراً لهم عن حب الدنيا وداعيا إلى الرضا بقضاء الله وبما قسمه لهم. وصاروا يرددون عباراتِ التحسّر والندم، ويقولون: إن الله يوسع الرزق على من يشاء من عباده المؤمنين وغير المؤمنين، ويقتر ويضيّق على من يشاء منهم.
{لولا أَن مَّنَّ الله عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا}.
لولا لَطَفَ الله بنا لخسَف بنا الأرض. ثم زادوا ما سبق توكيدا بقولهم: {وَيكأنه لا يفلِح الكافرون} ان الكافرين بنعمة الله لا يفلحون.
قراءات:
قرأ يعقوب وحفص: {لخسف بنا} بفتح الخاء والسين، والباقون: {لخسف بنا}، بضم الخاء وكسر السين.


فرضَ عليك: أوجب عليك. لرادّك إلى معاد: لمعيدك إلى بلدك. ظهيرا: معينا. هالك: ذاهب، معدوم. وجهه: ذاته. له الحكم: له القضاء.
تلك الدارُ الآخرة (وهي الجنة) نجعلها للذين لا يريدون تكبراً في الأرض ولا فسادا، والعاقبة الحميدة للمؤمنين المتقين.
وفي الحديث الصحيح: «لا يدخل الجنةَ من كان في قبله مثقالُ ذرة من كِبر، فقال رجل: إن الرجل يحبّ ان يكون ثوبُه حسناً وفعله حسنا فقال عليه الصلاة والسلام: إن الله جميلٌ يحب الجَمال، الكِبر بطر الحق، وغمط الناس» رواه مسلم وأبو داود.
من جاء بالحسنة له يومَ القيامة أفضلُ منها والله يضاعف لمن يشاء، ومن جاء بالعمل السيء فان الله لا يجزيه الا بمثل علمه، وهذا منه سبحانه رحمة وتفضل.
{إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرآن لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ}
ان الله الذي أنزل عليك القرآن وفرض عليك تلاوته والعملَ بما فيه- لمعيدُك إلى الأرض اتي اعتدتها، وهي مكة؛ او: إن المعادَ يوم القيامة، فقل ربي أعلم بمن جاء بالهدى وما يستحقه من الثواب والنصر والتمكين في الأرض، وبمن هو في ضلال مبين، وما يستحقه من القهر والاذلال والعذاب المهين.
{وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ....}
ما كنت ايها الرسول تأمل ان ينزَّلَ عليك القرآن، لكن الله أنزله عليك من عنده رحمةً بك وبأمتك، فاذكر هذه النعمة، وثابر على تبليغ الرسالة، ولا تكن أنت ومن اتبعك عوناً للكافرين.
ولا يمنعك الكافرون يا محمد من تلاوة آياتنا والعملِ بها بعدَ إذ أُنزلتْ اليك، وادعُ الناس إلى عبادة ربك وتوحيده، ولا تكوننّ من المشركين.
ولا تعبد مع الله آلهاً غيره، فانه لا اله الا هون، كل شيء فانٍ الا ذاتُه فإنها أزليّة ابدية، له الحكمُ المطلَق النافذ وإليه تردّون يوم القيامة.
وهكذا تختم هذه السورة الكريمة بتقرير قاعدة الدعوة إلى وحدانية الله سبحانه، تفرده بالألوهية والبقاء والحكم والقضاء، ليمض أصحاب الدعوات في طريقهم على هدى، وعلى ثقة وعلى طمأنينة وفي يقين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5